تابعنا على

الأحد، 15 يونيو 2014

// // اترك تعليقك

سجود ابليس لسيدنا ادم علية السلام

وقال في سورة ص: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين. فسجد الملائكة كلهم أجمعون. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين. قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. قال فاخرج منها فإنك رجيم. وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين. قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون. قال فإنك من المنظرين. إلى يوم الوقت المعلوم. قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين. قال فالحق والحق أقول. لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين}.
وقال في سورة الأعراف:{قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}. أي بسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم كل مرصد، ولأتينهم من كل جهة منهم، فالسعيد من خالفه والشقي من اتبعه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا أبو عقيل - هو عبد الله بن عقيل الثقفي - حدثنا موسى بن المسيب، عن سالم بن أبي الجعد، عن سبرة بن أبي الفاكه قال: سمعت رسول الله 
صلى الله عليه وسلم قال: "إن الشيطان يقعد لابن آدم بأطرقه" وذكر الحديث "كما قدمناه في صفة إبليس".
وقد اختلف المفسرون في الملائكة المأمورين بالسجود لآدم: أهم جميع الملائكة كما دل عليه عموم الآيات؟ وهو قول الجمهور. أو المراد بهم ملائكة الأرض؟ كما رواه ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس، وفيه انقطاع، وفي السياق نكارة، وإن كان بعض المتأخرين قد رجحه. ولكن الأظهر من السياقات الأول، ويدل عليه الحديث: "وأسجد لك ملائكته" وهذا عموم أيضا والله أعلم.
وقوله تعالى لإبليس: {فاهبط منها} و {اخرج منها} دليل على أنه كان في السماء فأمر بالهبوط منها، والخروج من المنزلة والمكانة التي كان قد نالها بعبادته، وتشبهه بالملائكة في الطاعة والعبادة، ثم سلب ذلك بكبره وحسده ومخالفته لربه، فأهبط إلى الأرض مذموما مدحورا. وأمر الله آدم عليه السلام أن يسكن هو وزوجته الجنة فقال: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}. وقال في الأعراف: {قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين. ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين}. وقال تعالى: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى. فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى. وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى}.
وهذا الخلاف قريب، وقد أبهم الله ذكرها وتعيينها، ولو كان في ذكرها مصلحة تعود إلينا لعينها لنا كما في غيرها من المحال التي تبهم في القرآن.
وإنما الخلاف الذي ذكروه في أن هذه الجنة التي أدخلها آدم: هل هي في السماء أو في الأرض، هو الخلاف الذي ينبغي فصله والخروج منه.
والجمهور على أنها هي التي في السماء وهي جنة المأوى، لظاهر الآيات والأحاديث كقوله تعالى: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} والألف واللام ليست للعموم ولا لمعهود لفظي، وإنما تعود على معهود ذهني، وهو المستقر شرعا من جنة المأوى، وكقول موسى عليه السلام لآدم عليه السلام: "علام أخرجتنا ونفسك من الجنة؟..." الحديث كما سيأتي الكلام عليه.
وروى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي مالك الأشجعي - واسمه سعد بن طارق - عن أبي حازم سلمة بن دينار، عن أبي هريرة، وأبو مالك عن ربعي، عن حذيفة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يجمع الله الناس فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة. فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟" وذكر الحديث بطوله.
وهذا فيه قوة جيدة ظاهرة في الدلالة على أنها جنة المأوى، وليست تخلو عن نظر.
وقال آخرون: بل الجنة التي أسكنها آدم لم تكن جنة الخلد، لأنه كلف فيها ألا يأكل من تلك الشجرة، ولأنه نام فيها وأخرج منها، ودخل عليه إبليس فيها، وهذا مما ينافي أن تكون جنة المأوى.
وهذا القول محكي عن أبي بن كعب، وعبد الله بن عباس، ووهب بن منبه، وسفيان بن عيينة، واختاره ابن قتيبة في "المعارف"، والقاضي منذر بن سعيد البلوطي في "تفسيره" وأفرد له مصنفا على حدة. وحكاه عن أبي حنيفة الإمام وأصحابه رحمهم الله. ونقله أبو عبد الله محمد بن عمر الرازي ابن خطيب الري في "تفسيره" عن أبي القاسم البلخي وأبي مسلم الأصبهاني. ونقله القرطبي في "تفسيره" عن المعتزلة والقدرية وهذا القول هو نص التوراة التي بأيدي أهل الكتاب.
وممن حكى الخلاف في هذه المسألة أبو محمد بن حزم في الملل والنحل، وأبو محمد بن عطية في تفسيره، وأبو عيسى الرماني في "تفسيره" - وحكى عن الجمهور الأول - وأبو القاسم الراغب والقاضي الماوردي في "تفسيره" فقال: "واختلف في الجنة التي أسكناها يعني آدم وحواء على قولين: أحدهما أنها جنة الخلد. الثاني جنة أعدها الله لهما وجعلها دار ابتلاء، وليست جنة الخلد التي جعلها دار جزاء.
فقال بعض المفسرين: المراد بالاهباط الأول: الهبوط من الجنة إلى السماء الدنيا، وبالثاني من السماء الدنيا إلى الأرض. وهذا ضعيف لقوله في الأول: {وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين} فدل على أنهم اهبطوا إلى الأرض بالاهباط الأول والله أعلم.
والصحيح أنه كرره لفظا وإن كان واحدا، وناط مع كل مرة حكما؛ فناط بالأول عداوتهم فيما بينهم، وبالثاني الاشتراط عليهم أن من تبع هداه الذي ينزله عليهم بعد ذلك فهو السعيد، ومن خالفه فهو الشقي، وهذا الأسلوب في الكلام له نظائر في القرآن الحكيم.
وروى الحافظ ابن عساكر عن مجاهد قال: أمر الله ملكين أن يخرجا آدم وحواء من جواره، فنزع جبريل التاج عن رأسه، وحل ميكائيل الإكليل عن جبينه، وتعلق به غصن، فظن آدم أنه قد عوجل بالعقوبة، فنكس رأسه يقول: العفو العفو، فقال الله: فرارا مني؟ قال: بل حياء منك يا سيدي!
وقال الأوزاعي عن حسان - هو ابن عطية - مكث آدم في الجنة مائة عام، وفي رواية ستين عاما، وبكى على الجنة سبعين عاما، وعلى خطيئته سبعين عاما، وعلى ولده حين قتل أربعين عاما. رواه ابن عساكر.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن سعيد، عن ابن عباس قال: أهبط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها "دحنا" بين مكة والطائف. وعن الحسن قال: أهبط آدم بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدستميان من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان. رواه ابن أبي حاتم أيضا. وقال السدي: نزل آدم بالهند ونزل معه بالحجر الأسود وبقبضة من ورق الجنة، فبثه في الهند فنبتت شجرة الطيب هناك. وعن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة. رواه ابن أبي حاتم أيضا.
وقال عبد الرزاق: قال معمر: أخبرني عوف، عن قسامة بن زهير، عن أبي موسى الأشعري، قال: إن الله حين أهبط آدم من الجنة إلى الأرض علمه صنعة كل شيء. وزوده من ثمار الجنة، فثماركم هذه من ثمار الجنة، غير أن هذه تتغير وتلك لا تتغير.
وقال الحاكم في "مستدركه": أنبأنا أبو بكر بن بالويه، عن محمد بن أحمد بن النضر، عن معاوية بن عمرو، عن زائدة، عن عمار بن أبي معاوية البجلي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما أسكن آدم الجنة إلا ما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس. ثم قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

0 التعليقات :

إرسال تعليق